في مشغلها البسيط بمدينة قبلي، أقصى الجنوب التونسي، تُطوّع التونسية سناء بن عمر سعف النخيل وجذوعه وعراجينه بيديها لتصنع تحفا فنية ولوحات زينة وأنواعا مختلفة من الأثاث المنزلي.
اختارت سناء، الحاصلة على إجازة في الرياضة، أن تسير على درب جدّاتها، اللاتي احترفن صناعة منتجات من بقايا أشجار النخيل المنتشرة في الجنوب التونسي، والمحافظة على الموروث الوطني.
داخل مشغلها، تتكدس بقايا أشجار النخيل تلك، من سعف وجذوع وعراجين جافة ويابسة، انتظارا للمسة فنية من سناء تحوّلها إلى أطباق وأوان وقفاف وسلال مختلفة الأشكال والألوان، وحتى مراوح يدوية، أو ربما لتصبح تلك البقايا مكونات لكراسي وطاولات وتحف فنية أو لوحات زينة.
في حوار أجرته معها وكالة أنباء العالم العربي (AWP)، قالت سناء "بعد التخرج، أردت تأسيس مشروع خاص؛ ففكرت في مشروع لتثمين (إعادة تدوير) بقايا النخيل بفضل الخبرة التي اكتسبتها منذ الصغر من جداتي، اللاتي كُنّ يعملن في هذا المجال".
أضافت "كنت شغوفة منذ الصغر بإبداع أشياء جديدة؛ لذلك، حاولت ابتكار تصاميم تواكب العصر مثل الأواني والأثاث، كالكراسي والطاولات والشمعدان، إضافة إلى القفاف والسلال والتحف الفنية ولوحات الزينة للجدران".
وأوضحت أن المنتجات المصنّعة من النخيل تقوم على جمع السعف وألياف النخل وجذوعه من المزارعين، قبل أن تدخل مرحلة التجفيف تحت أشعة الشمس لتأخذ اللون الأبيض. بعد ذلك، تقول سناء، تبدأ مرحلة تطويع تلك البقايا لتصبح قطعا فنية من رحم الطبيعة تحقق منافع للناس في بيوتهم.
وتعتمد سناء في تلوين منتجاتها على أصباغ طبيعية أيضا، تقول إنها أصباغ "تقليدية قديمة جدا، مستخرجة من الرمّان والكُركُم... تحافظ على ألوانها الزاهية لفترة طويلة".
وتقول إن مشروعها يتمثل في "إعادة تدوير كل بقايا النخيل من سعف وجذوع وعراجين، مع التجديد في ابتكار أشكال جديدة متنوعة".
وأوضحت أن الأشكال المرسومة على المنتجات المستخرجة من بقايا النخيل تُنقَش يدويّا، بينما تُزيّن المنتجات المصنعة من سعف النخيل برسوم مبتكرة من البيئة الصحراوية وتراثها، مثل الإبل والنخيل.
شاركت سناء في العديد من معارض الصناعات التقليدية في تونس وخارجها؛ وتقول إن هذه المنتجات المصنّعة من بقايا النخيل تُحقق رواجا كبيرا، مؤكدة أن "الناس عادوا إلى استعمال المنتجات البيولوجية، وهي صحيّة وصديقة للبيئة وتدوم لفترة طويلة... القُفّة المصنوعة من سعف النخيل مثلا تدوم لحوالي عشر سنوات".
وبحسب سناء، فإن النخيل التونسي يتميّز بسعفه وأليافه الليّنة، والمتماسكة في الوقت ذاته، حيث يمكن تطويعها لصُنع أي شكل من الأشكال وابتكار منتجات رائعة تواكب العصر".
وتقدر مساحات واحات النخيل في الجنوب التونسي بنحو 40 ألف هكتار، تضم ما يقرب من 5.4 مليون نخلة منتشرة في ولايات قبلي وتوزر وقفصة وقابس.
وتؤكد سناء على ضرورة التعريف بالموروث والحفاظ على حرفة تقليدية قديمة تعتمد بالأساس على شجر النخيل، وتتميز بها أغلب الولايات التي توجد فيها واحات نخيل شاسعة. ولكن لم تتقيد بالطرق التقليدية فقط في عملها، فقد استثمرت هي التطور الصناعي وظهور الآلات لتطوير تلك الحرفة لإنتاج منتوجات فنية وأثاث مختلف شكلًا ونوعًا عن أي أثاث مصنوع بخشب الأشجار، ولكنه لا يقل قيمة ومتانة وصلابة عن أي أثاث عادي.
الفيديو :