تمكنت التونسية لطيفة مرجان -باحثة ما بعد الدكتوراه بجامعة برلين التقنية- من تطوير مواد بناء صديقة للبيئة وابتكار تقنية جديدة لتنقية المياه بكفاءة عالية باستخدام مواد طبيعية من الطين والألياف النباتية. وتأمل الباحثة أن تسهم هذه الابتكارات في الحد من بعض المشاكل البيئية الناتجة عن المواد المستخدمة حاليا في البناء، إضافة إلى إلقاء المياه الملوثة في الطبيعة.
وحصلت الباحثة على الإجازة في فيزياء المواد والماجستير في فيزياء المواد والطاقة من "المدرسة العليا للعلوم والتكنولوجيا بحمام سوسة"، قبل أن تتوج مسيرتها المتميزة في التحصيل العلمي بالحصول على الدكتوراه في مجال هندسة المواد في إطار التعاون مع "الجامعة برلين التقنية" (Technische Universität Berlin).
وأدركت الباحثة التونسية -في أثناء دراستها العليا- أهمية تثمين المواد الطبيعية المتوفرة لتصنيع مواد صديقة للبيئة تسهم في الحد من التلوث البيئي الذي تسببه المواد المستخدمة.
لذلك، عملت في إطار إعدادها لرسالة الماجستير على تطوير مواد جديدة تستخدم في البناء باستخدام الطين والألياف النباتية الموجودة في بقايا النجارة والأشجار والنباتات البحرية.
وتقول الدكتورة لطيفة مرجان -في تصريح خاص بالجزيرة نت عبر الهاتف- إنها "توصلت إلى ابتكار مادة جديدة للبناء صديقة للبيئة باستخدام أحد المعادن الطينية المتوفرة على نطاق واسع من نوع الكاولين (أو الصلصال الصيني) والألياف النباتية الطبيعية المستخرجة من نفايات النجارة وبقايا الأشجار والنباتات البحرية".
وواصلت الباحثة تطوير هذه المواد في إطار إعدادها لرسالة الدكتوراه تحت إشراف الأستاذ الدكتور منجي السفان، وأثبتت نجاعة استخدامها في البناء عبر إجراء سلسة من الاختبارات الفيزيائية اللازمة لإثبات كفاءتها مثل اختبار مقاومتها الميكانيكية للضغط والصلابة والعزل الحراري.
ووفقا لمرجان، فقد "أثبتت هذه الاختبارات، التي أجريت في مخابر الجامعة برلين التقنية، أن المادة المبتكرة تتمتع بصلابة مشابهة للمواد المستخدمة حاليا في البناء لكنها تتفوق عليها في مجال العزل الحراري".
وتضيف الباحثة التي نشرت ورقة علمية حول الابتكار في دورية "إنفيرومنتال ساينس آند بوليوشن ريسيرش" (Environmental Science and Pollution Research) أن "عمليات تصنيع هذه المواد الصديقة للبيئة لا تؤدي إلى إطلاق الغازات الملوثة في الهواء. إضافة إلى كونها لا تستهلك كثيرا من الطاقة ولا تحتاج إلى درجات حرارة فوق 40 درجة مئوية في الوقت الذي تتطلب فيه المواد الأخرى المستخدمة حاليا عمليات تسخين تصل إلى ألف درجة مئوية".
وكل هذه العوامل تجعل كلفة تصنيعها أقل بنحو 35% من كلفة المواد التقليدية، وفقا لتقديرات أجرتها الباحثة.
المادة تعالج المياه أيضا :
وفي أثناء وجودها في مختبرات الجامعة الألمانية، عكفت مرجان على إجراء اختبارات لتطوير تقنية جديدة باستخدام المواد الطبيعية نفسها لمعالجة المياه المستعملة. وتوصلت بعد إجراء العديد من التجارب إلى طريقة جديدة لتنقية المياه في ظرف وجيز ومن دون الحاجة إلى مواد مضرة للبيئة.
وأجرت اختبارات لمدة عام كامل على تقنية تعتمد على استخدام ألياف النبتة البحرية المعروفة باسم "البوسيدون" (Posidonia oceanica) -المنتشرة في البحر الأبيض المتوسط- في قسم معالجة المياه بالجامعة الألمانية، وكانت النتائج مبهرة.
كما طورت طريقة أخرى لمعالجة المياه الملوثة تعتمد على ألواح خزفية مصنعة من الطين وألياف بوسيدون وتكسوها طبقة رقيقة من ثنائي أكسيد التيتانيوم. وأظهرت الاختبارات أن سطح المادة المبتكرة بإمكانه تنقية المياه الملامسة له كليا في ظرف 3 ساعات فقط وكسر الجزيئات الدهنية الموجودة بها بمجرد التعرض لأشعة الشمس.
وبحسب الباحثة، فإن هذه المادة المطورة "يمكن أن تسهم في معالجة المياه بمحطات التطهير التي تستعمل حاليا تقنيات مكلفة، وكذلك في تنقية المياه في الأحواض والمسابح بشكل فعال جدا".
كما يمكن استخدامها في معالجة إحدى المشاكل البيئية الكبيرة في البلدان المعروفة بإنتاج زيت الزيتون، إذ يمكنها تنقية المياه الناتجة عن عصر الزيتون المعروفة بـ"مرجان الزيتون" وإزالة جميع المواد الدهنية منها.
وتتوقع الدكتورة لطيفة مرجان أن تسهم المواد الجديدة -التي أثارت اهتمام الجانب الألماني- في إحداث ثورة في مجال البناء ومعالجة المياه الملوثة بطريقة إيكولوجية صديقة للبيئة.
الفيديو :