وجدت الشابة التونسية خديجة جلولي لنفسها أكثر من شيء لتنجح فيه، فعلى الرغم من إعاقتها الجسدية التي رافقتها منذ ربيعها العاشر، إلا أن ذلك لا يبدو لها عائقا لتحقيق أهدافها والمضي قدما في حياتها.
خديجة القادمة من مدارج الجامعات التونسية في اختصاص تكنولوجيا الغذاء، قررت دخول عالم ريادة الأعمال في سن مبكرة بحثا عن تحسين حياتها وحياة المئات من ذوي الهمم ممن قصرت القوانين المتعددة في بلادها على حفظ حقوقهم وتحويلهم إلى قوة فاعلة في المجتمع.
حلم القيادة يتحقق :
تقول خديجة جلولي في حوار صحفي، إن اختيارها لمجال بعث المشاريع كان بغاية تمكين حاملي الإعاقة من حياة طبيعية ومستقلة يعتمدون فيها على أنفسهم دون الحاجة المستمرة إلى مساعدة الغير.
ولتحقيق هذه الغاية، قررت خديجة اختراع سيارة "هاوكار"، وهي سيارة كهربائية تمكّن محدودي الحركة من تحقيق حلم القيادة وتكفل لهم حرية التنقل مهما كانت نوعية الإعاقة العضوية التي يحملونها.
بدأت خديجة العمل على هذا المشروع منذ سنة 2018، بالتعاون مع المهندس الميكانيكي الشاب "محمد سيف الدين عيسى"، وتقول: "جمعتنا الحاجة والطموح فمضينا قدما في هذا المشروع الذي يمثل بديلا آمنا عن وسائل النقل التقليدية التي لا تتلاءم مع خصوصية حاملي الإعاقة".
ولفتت خديجة إلى أن سيارة "هاوكار" ذكية وصديقة للبيئة، فهي تعمل بالطاقة الكهربائية فقط ويمكن شحنها في المنزل، كما أنها سهلة الاستخدام، إذ يمكن لراكبها أن يدخل إليها على كرسيه المتحرك ليجد نفسه مباشرة أمام لوحة التحكم.
تضيف : "صممت هذه السيارة لتكون متلائمة مع جميع المشاكل العضوية لأصحاب الهمم، ونحن نسعى في هذه المرحلة إلى تطوير آليات الحماية حتى تكون منسجمة مع المعايير الدولية فيشعر راكبها بالأمان".
وأكدت خديجة أن مشروعها بلغ خطوات متقدمة جدا وأن سيارتها ستكون جاهزة للخروج إلى شوارع تونس نهاية هذا العام.
حقوق على ورق :
يتمتع حاملو الإعاقة في تونس بحقوق جمة يكفلها لهم الدستور الذي ينص في أحد فصوله على أن الدولة تحميهم من كل تمييز وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية لتكفل لهم "الحق في الانتفاع بكل التدابير التي تضمن لهم الاندماج الكامل في المجتمع".
لكن شهادة خديجة والعشرات من أمثالها تؤكد أن هذه الحقوق لم تخرج من دائرة التشريعات وبقيت حبرا على ورق، فحاملو الإعاقة محرومون من عدة حقوق أولها الحق في التنقل.
تقول خديجة: "يقدم القانون حوافز عديدة لذوي الحركة المحدودة، لكن ما نجده على أرض الواقع هو بنية تحتية غير مهيأة ووسائل نقل عمومية لا تتوفر على لافتات للإرشاد أو مصاعد خاصة".
وتتابع: "في تونس، حامل الإعاقة لا يستطيع الخروج إلى الشارع بمفرده أو الذهاب إلى مقر دراسته أو عمله دون الحاجة إلى شخص يساعده على التنقل أو أن تكون لديه إمكانات مادية لذلك".
وبالنسبة لخديجة، فإن سيارة "هاوكار" ستمنح لذوي الهمم الحرية والاستقلالية والقدرة على الانفتاح والاندماج أكثر في المجتمع.
تتويج دولي :
وتؤكد أن مشروعها حظي بتشجيع من وزارة الشؤون الاجتماعية وكذلك من وزارة النقل التي وعدتها بالترخيص لها بالجولان في الشوارع التونسية حال استكمال مرحلة تأمين دعائم السلامة.
كما حظي مشروع سيارة "هاوكار" بتقدير دولي، حيث توج مؤخرا بجائزة الطاقة العالمية "إنرجي غلوب أورد" لسنة 2021 التي تسندها النمسا للمشاريع البارزة في مجالات البيئة والطاقة.
وفي نفس السنة حصلت على جائزة التميز الأفريقي للسيارة الأكثر ابتكارا وصديقة للبيئة، إلى جانب جوائز أخرى في المغرب وتونس.
تقول خديجة إن مشروعها عرض أيضا ضمن القمة العالمية لريادة الأعمال التي تستضيفها مدينة لاهاي الهولندية برعاية أممية رفقة المستثمرين الملهمين من جميع أنحاء العالم ومتحدثين من وكالة ناسا.
وإلى جانب مشروع سيارة "هاوكار"، تساعد خديجة الشركات والمؤسسات على حسن التعامل مع حاملي الإعاقة لضمان حسن اندماجهم في الحياة المهنية، وهي أيضا كثيرة الحضور في الندوات لتحفيز ذوي الهمم على المضي قدما والفوز على مصاعب الحياة.
وتقول خديجة: "الإعاقة هي عجز عن التفكير وليس عن الحركة، هذا ما أسعى إلى إثباته.. صحيح أننا قلة في المجتمع، ولكن جزء فاعل فيه".
وترى أن نظرة المجتمع إلى ذوي الهمم هي نظرة سلبية، وأن تسليط الضوء عليهم اقتصر على المتميزين في مجال الرياضة الذين تبرزهم الكاميرات في المنافسات والبطولات الدولية.
وتضيف أن ذوي الهمم في تونس اقتحموا بجدارة قاعات المحاكم والإدارات والسفارات وقاعات الجامعات ومجال الهندسة وعلوم المعلومات وأثبتوا قدرتهم على الإنجاز والإبداع.
الفيديو :