وسط منطقة غابية، في منطقة “كاستامونو” التي تبعد عشرات الكيلومترات عن شمال وسط تركيا، عند أعالي جبال ولاية “كاستامونو” الواقعة على سواحل البحر الأسود، وعلى بعد 200 كيلومتر عن العاصمة أنقرة، تقع قرية صغيرة يرفع سكانها علمين، العلم التركي والعلم التونسي اعتزازا بأصلهم وهويتهم التونسية.
إنها قرية “تونسلار” (Tunuslular köyü) وتعني قرية التوانسة.
كيف تأسست القرية؟
سنة 1853م، يطلب السلطان عبد المجيد الأول الذي تسلّم حكم الامبراطورية العثمانية سنة 1823م، وله من العمر 16 عامًا وثلاثة أشهر، من أحمد باي (باي تونس)، إرسال جيش لمساعدة الجيش العثماني الذي يسعى إلى احتواء الإمبراطورية الروسية التي تحلم بأخذ البلقان.
يستجيب “باي تونس”، ويرسل جيشًا قوامه أكثر من 15 ألف جندي بقيادة الجنرال رشيد، للمشاركة في حرب القرم التي انتهت بهزيمة الروس وتوقيع اتفاقية باريس في 30 مارس سنة 1856، إلا أن معظم الجيش التونسي لم يعد إلى وطنه.
تلك الفترة كانت الإيالة التونسية تعرف إصلاحات كبرى بقيادة أحمد باي وخيرالدين باشا، إصلاحات مسّت الجيش أيضًا، لذلك سارع “باي تونس” للاستجابة للطلب العثماني، فقد كان يسعى إلى استعراض جيشه العصري أمام الفرنسيين الذين احتلوا الجزائر سنة 1831.
لحداثة عهدهم بالمنطقة، تمركزت العناصر التونسية بقيادة رشيد باشا في الخطوط الخلفية لقوات الجيش العثماني؛ لينضم بعد ذلك الكثير من العساكر التوانسة للجيش العثماني، وقد أبلوا بلاء حسنا، وساهموا في انتصار الجيش العثماني.
من بين 15.000 جندي تونسي ذهبوا إلى شبه جزيرة القرم، تقول كتب التاريخ إن 5 آلاف جندي منهم قد توفي وعانى من المرض، فيما نجا البقية المقدر عددهم بقرابة 10 آلاف جندي، فيما بعض الوحدات عادت سيرًا على الأقدام عبر أوكرانيا، أوديسا، رومانيا، كونستانزا، بلغاريا لتصل بعد ذلك إلى إسطنبول.
بعد المعركة، صدرت قرارات ترقية للكثير من الرُتب العسكرية التونسية إلى الجيش العثماني.
وتذكر بعض المراجع والروايات التاريخية، أن إحدى الوحدات، أخطأت طريق العودة فعوض التوجه غربا نحو اسطنبول توجهت شرقًا فوصلت إلى “كاستامونو” على سواحل البحر الأسود وهي منطقة جبلية مغطاة بغابات الصنوبر والتنوب، ومليئة بالمياه، وقد كان الفصل وقتها شتاء، فعزلتهم الجبال والثلوج وقطعت طريقهم.
حينها قرّر قائد الوحدة، أن يضع الجنود أثقالهم ويستريحوا، حتى يرتاحوا قليلًا ويواصلوا المسير بعد ذلك، إلا أن عدم درايتهم بالطريق الوعرة للمكان حتّم عليهم الاستقرار هناك، حيث قاموا ببناء قرية أطلقوا عليها اسم القرية التونسية التي عرفت فيما بعد باسم "تونسلار"، والتي تعني باللغة التركية :"قرية التوانسة".
أول ما تطأ قدميك في هذه القرية الصغيرة والجميلة، التي تطفو عليها الأعلام التونسية والتركية، تعترضك نافورة مياه ترمز إلى الصداقة بين البلدين الشقيقين، تمّ انشاؤها سنة 2003 بحضور عدد كبير من التّونسيين والأتراك.
الفيديو :