أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

رغم بتر ساقه : شاب تونسي يرفض البطالة ويبيع المشموم للإنفاق على عائلته "شاقي ولا محتاج" (فيديو)

خيّر الشاب التونسي هادي حفيظ والذي يبلغ من العمر 30 عاما مواجهة البطالة و تحدي إعاقته الجسدية ببيع مشموم الياسمين، كونه مبتور الساق، وهو ما فعله لإعالة أسرته التي تتألف من زوجة وطفل وشقيق متخرج من الجامعة ويحمل شهادة عليا لكنّه عاطل عن العمل.

ويجوب هادي حفيظ يومياً شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية، وينتظر الزبائن ساعات طويلة، عارضاً الياسمين بطريقة مميزة، إذ يشكل بها ما يعرف بالمشموم في تونس والذي يقبل عليه التونسيين لرائحته الطيبة.

ويزيّن الياسمين أمسيات التونسيين في فصل الصيف وأيضاً فصل الخريف، فيقبلون على شرائه من باعة ينتشرون في شوارع العاصمة والمدن السياحية التي تحتضن مقاهي ومطاعم، وتستضيف مهرجانات وسياحاً من دول عديدة.

وتتضمن طريقة ترتيب أزهار الياسمين ناصعة البياض وذات الرائحة العبقة الفواحة، تمهيداً لتشكيل المشموم تفاصيل لا يعرفها الجميع، فالمشموم التونسي الأصيل يميز تونس الخضراء ويعكس ثقافتها، ووراءه أنامل بعضها أتقن الحرفة من الأجداد، وأخرى تحت ضغط الظروف، إذ لا يستطيع أي شخص تشكيل المشموم بترتيب معيّن، ومنحه شكلاً مميزاً يجذب الناس إلى شرائه.


وفي العادة، ينتشر الياسمين في واجهات منازل تونسية عدة، حيث يتدلى على أسوارها الخارجية، وبعد جمع كميات مناسبة منه يجري تشكيل المشموم عبر ترتيب الأزهار، ثم تزيينها بطريقة جميلة ورائعة تلفت المارة وتفوح من الياسمين روائح طيبة.

ويقول الشاب هادي حفيظ في حوار صحفي :"أنحدر من أسرة ضعيفة، وتعيش عائلتي في حي شعبي بالعاصمة التونسية وخلال محاولتي مواجهة البطالة قررت بيع الياسمين الذي أجمعه في الصباح الباكر قبل أن تتفتح الزهور.. كحل وحيدة لإعالة أسرتي ولتوفير لقمة العيش".

ويضيف : "تخصصت في السياحة، وعملت لعدّة سنوات في عديد الفنادق قبل أن يجري طردي، وهو حال عمال كثيرين عرفوا المصير ذاته في السنوات الأخيرة. 

وكان الخيار أن أعمل في مجال بيع الياسمين الذي يبدو بسيطاً للبعض، لكنه بالنسبة لي مصدر رزق لكل أفراد عائلتي.. ومن خلال الأموال القليلة التي أحصل عليها أسدد النفقات الخاصة باحتياجات طفلي".

ويشير إلى أن عمله السابق في مجال السياحة ساعده كثيراً في وضع طريقة ملائمة لتسويق بضاعته خاصة أنه يرتدي الزي التقليدي التونسي لجذب المارة الذين يسألونه عن البضاعة تمهيداً لشراء المشموم، ويؤكد أن الخبرة التي اكتسبها طوال سنوات عديدة من العمل في السياحة سهّلت عمله مع المواطنين من خلال أسلوب مخاطبتهم وإقناعهم بشراء البضاعة، حتى لو كانت مجرد مشموم صغير الحجم.

ويمضي هادي يوم عمله في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس ويؤكد أنه لولا هذا المشروع البسيط لما استطاع تأمين ما تحتاجه أسرته، وظلت بالتالي من دون مورد رزق. 

ومن خلال هذا العمل البسيط استطاع مواجهة البطالة، علماً أن سعر المشموم يتراوح بين دينار و3 دنانير حجم الشكل والأحجام.


ويضيف هادي أن "الخدمة متاعي تبدى من شهر جوان إلى شهر أكتوبر، وهو نشاطي الوحيد قبل ما نظطر إني نلوّج على عمل يومي آخر في أي مجال خلال باقي الأشهر باش نجم نصرف على عائلتي".

ويذكر أنه يعمل أيضاً لمساعدة شقيقه العاطل عن العمل حالياً رغم أنه كان متفوقاً في الدراسة، وحاز على شهادة جامعية من دون أن يستطيع إيجاد عمل في تخصصه، لكنه يحاول العمل في مجالات هامشية ومؤقتة :"خويا قرى في الجامعة وكان من المتفوقين وخذى شهادة ولتوا ما بعثولوش باش يخدم.. كل مرة يخدم حاجة ما عندوش عمل قارّ".


عزيمة وتحدي رغم بتر ساقه :


ولا يخفي هادي أنه يعمل بساق اصطناعية لمدة 12 ساعة يومياً، مؤكدا أن الأوضاع السيئة المرتبطة بغلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد الأساسية، مثل الزيت النباتي، والطماطم، أثرّت بشكل كبير في أوضاع الأسر المحدودة الدخل، وبالتالي أصبح ما يجنيه يكفي بالكاد لسد الرمق. ويصف هادي الوضع الاجتماعي بأنه صعب جداً : "إذا كانت الأسر المتوسطة وتلك التي تعتمد على الرواتب تواجه صعوبات معيشية، فكيف الحال بالنسبة لي؟ نهار نخدم ونهار لا.. الحمد لله على كل حال".

ويشدد على أنه يجب أن يتدبر أموره بأي طريقة ممكنة، ويؤمّن مصاريفه اليومية، ويجلب المواد الضرورية لأسرته، خاصة أن لديه طفلاً، لأن الحياة أصبحت صعبة على ضعفاء الحال. ويأمل في أن تتحسن أوضاعه يوماً ما، ويجد عملاً جيداً أو يعود إلى العمل في مجال السياحة :"ان شاء الله ربي يفرج علينا وتتحسن أوضاعنا.. ماذبيا نلقى خدمة باهية نجم نوفر بيها مصاريف عائلتي، وإلا نرجع لخدمتي في النزل".


بيع المشموم في تونس :


يسعى شباب وتلاميذ وحتى أطفال إلى بيع الياسمين خلال فترة الصيف، من أجل توفير مصروفهم اليومي، فيكثر تجوّلهم في الشوارع وبين المقاهي والمطاعم وفضاءات عامة أخرى لبيع المشموم.

ويُبدع بعض الشباب في تكوين منتجات عدة من الياسمين، مثل القلادة والسوار اللذين يتضمنان الأزهار.

والياسمين هي الزهرة ناصعة البياض الخجولة ذات السحر الأخاذ والرائحة العبقة، بل هي عنوان الأصالة والعراقة والشاهد على تاريخ تونس وثقافتها، كما يتغنى بها الشعراء والفنانون في تونس وخارجها.

وقد تغنّى بها أحد أشهر فناني تونس، الراحل الهادي الجويني، وقال : "تحت الياسمينة في الليل.. نسمة والورد محاذيني"، ضمن أغنية تعرف شهرة كبيرة في تونس وخارجها، حتى أن العديد من الفنانين التونسيين والأجانب أعادوها، لتكون بذلك زهرة الياسمين رمزا للمحبّة والتواصل بين العشاق.

الفيديو :